التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
تعرف على قصة الحصار الصليبي البرتغالي للأندلس والذي واجهة الأندلسيون بكل بسالة واستماتة..
كان من الصعوبة بمكان على يعقوب المنصور إيقاف خطر الأعداء في وقتٍ واحدٍ بكلٍّ من الأندلس وإفريقية، وهكذا فقد استغلَّ البرتغاليون أوَّلًا وجودهم في إفريقية، ثم حالة الإرهاق التي كانت عليها قوَّاتهم بعد العودة منها، وأخيرًا انشغالهم بمؤامرات أقاربهم، ليُكثِّفوا من هجماتهم التي امتدَّت إلى مختلف أنحاء الأندلس.
ففي البرتغال وبعد أن خصص سانشو -الذي خلف والده هنريكيث على العرش عام 1185م- السنوات الثلاث الأولى من عهده لإعادة تعمير وتنظيم المراكز والقلاع التي أصابها الخراب من جرَّاء الحروب، وهو ما جعله يستحق لقب "المعمر" الذي اشتهر به..
فبدأ بمهاجمة أراضي المسلمين، ثم استغل في ربيع 1189م وجود الجيوش الصليبية الجرَّارة القادمة من بلدان الشمال، على أراضي مملكته، وكانت عادةً تتوقَّف في الموانئ البرتغاليَّة إمَّا اضطرارًا أو اختيارًا أثناء توجُّهها نحو فلسطين، ليقوم وبمساعدتها بغزوٍ شاملٍ لمنطقة غرب الأندلس، وكانت البداية بأهم معاقل هذه المنطقة وأكثرها تحصُّنًا وهي مدينة "شلب".
وخلال سنة 1189م نفسها؛ أي بعد عامٍ واحدٍ من استعادة القدس من طرف صلاح الدين الأيوبي، أرغمت العواصف البحرية عددًا من الفلاندريين والألمان المتوجِّهين الى فلسطين على ظهر أسطول مكوَّن من خمسين سفينة فرنسية، للالتجاء الى ميناء لشبونة، وكانت هذه السفن قد توقفت قبل ذلك في ميناء "شنت ياقب".
وأثناء وجودهم في لشبونة اتفقوا مع سانشو للتوجُّه الى شلب على اعتبار أنَّها كانت ملجأ للقراصنة، وعلى اعتبار أنَّ المسلمين كانوا ينطلقون منها نحو مختلَف جهات بحر المحيط (المحيط الأطلسي) حيث يأسرون الكثير من المسيحيين ويستولون على ثرواتهم.
وقد استهدف الهجوم في البداية مدينة "البورو" حيث تمكَن الفيلق الصليبي من إبادة ساكنتها التي تقدر بستة آلاف نسمة، هذا النجاح شجَّع سانشو على تكرير العملية خصوصًا مع مجيء قوَّات صليبيَة أخرى ألمانية وإنجليزية.
وقد غادرت هذه القوات خليج تاجة يوم 16 يوليو 1189م، وفي ظرف أربعة أيام رست في خليج "بورتيماو" على بعد 12 كلم من شلب، ثم انتقلت بعد ذلك إلى ميناء نهر "دراري" الواقع على مسافة ثلاثة أميال من شلب وذلك للالتقاء بالقوات البرتغالية البرية المشاركة في الحصار وكان على رأسها الكونط "ميندو".
مباشرة بعد هذا، هوجمت شلب بعزيمة كبيرة واحتُلَّّت أرباضها، وأمام هول المفاجأة، انتابت سكانها حالة رعب التجئوا معها الى ما خلف أسوار المدينة دون أن ينتبهوا إلى أنهم تركوا أبوابها مفتوحة.
وحسب مؤلف "تاريخ سانشو الأول" فإنه كان من السهل وقتها احتلال المدينة، غير أنَّ جشع الأجانب المشاركين في الهجوم حال دون ذلك؛ حيث انهمكوا في النهب وحمل كلِّ شيءٍ نفيسٍ وجدوه بالأرباض إلى سفنهم، وإضرام النيران فيما دون ذلك.
وفي 21 يونيو وبعد شهرٍ كاملٍ على بداية الحصار، التحق سانشو الأول بالمحاصرين على رأس قوَّاتٍ برِّيَّةٍ جديدة، في الوقت نفسه أرسل أسطولًا من 40 سفينة بحرية للمشاركة في الحصار من جهة البحر.
وعلى الرغم من تشديد الحصار على المحاصرين باستعمال المجانيق والبراقيل، وعلى الرغم من محاولة الفلاندريين تدمير أسوار المدينة، فإنَّ استماتة سكانها حالت دون احتلالها.
وبعد مرور ثلاثة أسابيع على وجوده في المخيم، اقتنع سانشو باستحالة اختراق المدينة، واعتبر أن الوسيلة الوحيدة لإخضاعها تتمثل في قطع المياه عنها، وكان نجاح هذه الخطة رهينا بسيطرة على بئر قراجة، وكانت هذه الأخيرة حسب مؤلف "تاريخ سانشو الأول" محاطة بثلاثة أبراج للمراقبة وبسور يمتد إلى غاية النهر، وقد تمكن المحاصرون من هدم أحد الأبراج الثلاثة -الأقرب منها إلى البئر- ثم اجتازوا بعد ذلك الأسوار بواسطة السلالم، وهو ما سمح لهم بالسيطرة عليها.
ولما لاحظ المسلمون أنَّ المحاصرين اجتازوا الصور المحاذي للبئر، وأنهم يتجهون نحو أبواب المدينة، خرجوا ضدَّهم، حيث وقعت معركة حامية الوطيس دامت إلى نزول الظلام دون أن تحسم لأحد.
إثر ذلك تراجع المسلمون داخل المدينة، بعدما أحكموا إغلاق أبوابها.
المصدر:
أمبروسيو هويثي ميراندا: التاريخ السياسي للإمبراطورية الموحدية، ترجمة: د. عبد الواحد أكمير، منشورات الزمن، ط1، 2004.
التعليقات
إرسال تعليقك